هذا مقال كنت نشرته منذ عدة سنوات في أحد المنتديات ثم جدد المنتدى نفسه وضاع المقال .. فبحثت عنه كثيراً حتى وجدته منقولاً ولله الحمد والمنة .
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم
غُلِبَتِ الرُّومُ
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ
بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
هذه الايات الكريمات من الايات المشهورة التي يستدل بها كل من تخطر على باله فكرة تنبؤ القرآن بالغيبيات ..
فهذه الايات هي أشهر الايات في هذا الموضوع بسبب تحثها عن القوى العظمى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : الامبراطوريتان الرومانية و الفارسية ..
يقول سماحة الوالد الشيخ علامة الهند أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى :
هذه النبوءة لايقدر عليها الا العليم القدير الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي . ولم يكن شيء اغرب خيالا وأبعد منالا من هذه النبوءة التي اعلنها القرآن عند فرح قريش المشركين بانتصار المجوس المشركين ..على أهل الكتاب المسيحيين .. واستبعدته قريش كل الاستبعاد حتى قامروا على ذلك استبعادا له ( السيرة النبوية / 107 ) .
وسنعلم بعد قليل سبب غرابة تلك النبوءة القرآنية .
تعالوا بنا لنر ماذا يقول اليوم اهل الكتاب على القرآن الذي دافع عنهم وأنصفهم :
في أحد أشرس المواقع التي تحارب الاسلام - والذي تفوق عدد اللغات التي تنشره على الشبكة العشر لغات المنتشرة في القارات الست ..وجدت مايلي :
أن هذه النبوءة لاتدل على اعجاز اصلا , لان التبؤ بالانتصاارات السياسية متاح لكل عبقري ذو نظرة ثاقبة , في اي زمان ومكان ..
هذا هو ملخص ماقرأت في هذا الموقع العملاق من حيث سعة الانتشار , القزم من حيث التفكير والنظر والاستدلال ..
ولكن هذه الشبهة لم تدعني أجلس مكاني ..
ولأنني موقن أن الاسلام هو الحق الذي من عند الله قطعا ويقينا : قلت لابد ان ارى الرد على هذه الشبهة الان بعيني رأسي من كتب التاريخ التي ألفها القوم أنفسهم ..تاريخ الحضارة الرومانية والحضارة الفارسية ..
فتركت جهاز الحاسوب ومشيت مختالا متبختراً مشية الواثق الى مكتبتي العامرة ...فوجدت بها هذه المراجع التي كنت ألتقطها من المكتبات مرة بعد مرة لكي أقرأها في يوم من الايام :
1- تاريخ اضمحلال الامبراطورية الرومانية . للمؤرخ الحجة في هذا الجانب : إدوارد جيبون .
2- قصة الحضارة . ول ديورانت
3-ايران في عهد الساسانيين . للمؤرخ الحجة ايضا في تاريخ فارس : آرثر كرستنسن .
4-تاريخ الحضارة البيزنطية . ستيفن رنسيمان المؤرخ المعروف صاحب تاريخ الحروب الصليبية .
5- موجز تاريخ العالم للمؤرخ الشهير : ويلز .
فقرأت كلامهم وعباراتهم حول حالة الدولتين في تلك الفترة , وقوة كل دولة والظروف التي كانت تمر بها كل منهما , واختصرتها وغربلتها ونخلتها نخلا , لكي أضعها هنا بين ايديكم ..لنرى سويا هل كانت الظروف السياسية والقوة الحربية للروم تسمح للتكهن بانتصارهم على فارس ؟
والان أبدأ بسم الله مستعينا به وبحوله وقوته ..
1- إدوارد جيبون :
يقول :
ان محمدا تنبأ حين بلغت فتوح الايرانيين أوجها وقمتها . ان الرايات الرومية سترتفع بالفتح والانتصارفي بضع سنين , ( يقول جيبون ) : ولم يكن شيء أبعد عن القياس من هذه النبوة التي أعلنها محمد !
لان السنين الاثنتي عشرة الاولى من حكم هرقل كانت تعلن بتمزق الامبراطورية الرومانية ونهايتها القريبة . ( انحطاط الامبراطورية الرومانية : 3/302-303 ) .
فقد كانت حال هرقلوالدولة الرومانية يرثى لها من الضعف والمجون والخلاعة ..
وهذا هو السر الذي يكمن في نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولكن كيف حدث التحول المفاجيء ؟ كيف في بضع سنين تحدث نهضة حضارة ميتة او قاربت على الموت وهي تلفظ انفاسها الاخيرة ؟
يقول جيبون : كما أن ضباب الصبح والاصيل ينقشع ويتبدد بنور الشمس البازغة الوهاج : كذلك تحوّل الامير الرقيق المترف الذي لم يكن يعرف الا الشباب والهوى , والذي كان على قدم أركاديوس في عصره :
فارسا منتصرا يقود الجيوش ويفتح البلاد كسيزر...
لقد أنقذت كرامة هرقل روما بطريقة غريبة رائعة !
2- يقول آرثر كرستنسن :
وفي ذلك الوقت : حوالي سنة 615م بلغت قوة كسرى أوجها ...
ثم أوقف هرقل آخر الزحف المظفر الذي قامت به جيوش الفرس فاستعاد آسيا الصغرى و تقدم طاردا جيوش كسرى في ارمينيا وأذربيجان ..( ايران في عهد الساسانيين / 431 ) .
3- يقول ول ديورانت في الجزء الرابع عشر من قصة الحضارة :
وكان هرقل خليقا باسمه ولقبه , فقد شرع بعزيمة سميّه هرقل الاسطوري يعيد تنظيم الدولة المحطمة , وقضى عشر سنين يعمل لاحياء روح الشعب المعنوية ويعيد قوة الجيش , وينظم موارد الخزانة , وفي هذه الاثناء : استولى الفرس على اروشليم سنة 614م وتقدموا الى خلقدون 615م ولم ينقذ عاصمة الدولة الا الاسطول البزنطي ....وفكر هرقل في يأس ورضي البطريق سرجيوس أن يقرضه ثروة الكنيسة اليونانية بفائدة ليمول بها حربا مقدسة يستعيد بها اورشليم ....
وواصل هرقل الحرب على اعدائه ست سنوات هزم فيها كسرى عدة مرار ..وسقط كسرى الثاني وطلبت فارس الصلح ..وعاد هرقل ظافرا الى القسطنطينية بعد ان غاب عنها سبع سنين . ( قصة الحضارة 14/154 ) .
4-ويقول العلامة المؤرخ ويلز :
استطاع كسرى الثاني في بداية الامر وحتى اصبح هرقل امبراطورا سنة 610م : ان يجتاح كل شيء امامه فاستولى على ...............( وذكر وذكر مدنا كثيرة ) وعندئذ تقدم هرقل ليطعن بجيوشه قلب فارس في هجوم مضاد كبير وشتت جيش فارس وخلع ( قباذ ) أباه كسرى الثاني وقتله . ( موجز تاريخ العالم / 195 ) .
5- ويقول ستيفن رنسيمان مؤرخ الحضارة البيزنطية :
وبتولي هرقل الحكم تتحول الامبراطورية الرومانية نهائيا شطر الناحية البيزنطية البحت وقد ريّمت عليها حرب قاتلة طويلة الامد مع فارس , حرب كانت وأيم الحق جملة صليبية لاشك فيها وقتلا بين الدولتين حتى الموت , قام الفرس اثنائها بنهب بيت المقدس وغزو مصر وأوشكوا أن يستولوا على القسطنطينية نفسها ولكن مملكة الساسانيين سُحقت في النهاية الى الابد .
( تاريخ الحضارة البيزنطية / 37 -38 ) .
يقول العلامة الندوي رحمه الله :
ان الاوضاع التي اعلن فيها القرآن هذه النبوءات والاوضاع التي تحقت فيها , كل ذلك معجزة دون شك , وان هذه النبوءات تشتمل على ناحيتين من الاعجاز :
1- العلم بتلك الحوادث والوقائع الخظيرة التي لا تدرك بالقياس ولا بالحنكة ولا بالتجربة في الظروف التي لاتساعد على النبوءة بمثل ذلك اطلاقا .
2- هي تحقيقها ووقوعها حسب اعلان النبوءة وحسب ذلك العلم تحققا يشهده الناس .
لقد كان هذا السيل العرم للفتوحات الايرانية دليلا على انحطاط الدولة الرومية وسقوطها ..
انهزم الروم في عام 616م هزيمة كالمة وخسروا امبراطوريتهم العظيمة وفقدوها على ايدي الفرس
ولقد أجمع المؤرخوت لحياة هرقل انه على انه رغم كل هذه الوقائع الهائلة والفتوح الايرانية المدمرة - كان باردا لاتملكه عاطفة ولاتحركه حياة , انه كان يشهد بأعين رأسه سقوط الدولة البيزنطية وانتهاءها ...ويقدّر المؤرخون مدى انهزامية هرقل من انه بعث الى كسرى ايران يستجدي منه العفو واعلان حالة الامن ...
في هذه الظروف الحالكة عام 616م التي كانت الدولة البيزنطية فيها تعاني من سكرة الموت , تنبأ القرآن الكريم وهو ينزل في مكة المكرمة :
غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ
فِي بِضْعِ سِنِينَ ..
ومن العجائب الغرائب انه قد أجمع المؤرخون لحياة هرقل ان اروع عهوده للحكم وألمعها في جبين التاريخ هو ذلك العهد الذي ثأر فيه من الفرس واسترد مملكته المفقودة ..وأن بداية عهده ونهايته لاتمتّان لهذا العهد الاوسط بصلة ..
وكأنه نجم لمع في كبد السماء ليحقق نبوءة القرآن العظيم ثم أفل ....