لقد أصبح من الضروري إلقاء ولو نظرة سريعة على صحيح البخاري بوصفه أصح كتب الحديث عند أهل السنة الذين يعتقدون بصحة جميع ما روي فيه من جهة، وبوصفه الحاوي للكثير من روايات أبي هريرة وذلك الكم الهائل من الروايات التي تطعن بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) وغيرها من جهة أخرى.
فقد أخرج البخاري أحاديثه (الصحيحة برأيه) من 600 ألف حديث، وكما روي عنه إذ قال: (لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركت من الصحيح أكثر)(1).
ومأخذنا الأول على الشيخ البخاري هو اعتماده على عدالة سلسلة رواة الحديث كشرطه الوحيد لإثبات صحة الحديث المروي وبدون النظر إلى متنه وما احتواه من معنى الأمر الذي يفسر وجود الاضطراب والفساد والتناقض في كثير من الروايات التي أخرجها.
فحتى لو كان الراوي عدلا، فإن ذلك لا يمنع نسيانه جزءا من الحديث الذي سمعه فضلا عن احتمالية روايته للحديث بالمعنى لا بعين اللفظ الذي سمعه الأمر الذي يفقد الحديث جزءا من ألفاظه الأصلية والتي يحتمل أن يكون لها معنى آخر لم يتنبه له الراوي وخصوصا مع طول سلسلة الرواة التي قد تتضمن في بعض الأحيان لسبعة أو ثمانية أفراد.
وإذا أضفنا صعوبة الوقوف على عدالة الرجال وخصوصا المنافقين منهم والذين لا يعلم سرائرهم سوى رب العباد، يتضح لنا العيب الأكبر في منهج البخاري في إخراجه لأحاديثه.
وقد قال أحمد أمين تأكيدا لذلك: (إن بعض الرجال الذي روى لهم غير ثقات، وقد ضعف الحفاظ من رجال البخاري نحو الثمانين)(2).
وفيما يلي مزيدا من الروايات التي عدها البخاري صحيحة وألزم بها أهل السنة أنفسهم على مر العصور.
فعن أبي سعيد الخدري، أن الرسول (صلى الله عليه وآله) قال بشأن يوم الحساب: (... فيتساقطون حق يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن)(3).
وعن جرير بن عبد الله قال: (كنا جلوسا ليلة مع النبي (صلى الله عليه وآله) فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة، فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته)(4).
ويكفي لرد الروايتين الأخيرتين، بما أخرج البخاري بسنده عن مسروق قال: (قلت لعائشة: يا أمتاه هل رأى محمد (صلى الله عليه وآله) ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب؟ من حدثك أن محمدا (صلى الله عليه وآله) رأى ربه فقد كذب.
ثم قرأت - (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) - (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب))(5).
ويقول العلامة العسكري: (إن قول الله - (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) - أي إلى أمر ربها ناظرة، أي منتظرة وذلك مثل قوله تعالى في حكاية قول أولاد يعقوب لأبيهم، (واسأل القرية التي كنا فيها) أي واسأل أهل القرية.
قد (أمر) في تلك الآية، وفي هذه الآية (أهل)، وهكذا تؤول سائر الآيات التي ظاهرها يدل على أن الله تبارك وتعالى جسم(6).
ومن الإسرائيليات الأخرى التي وجدت في كتاب البخاري ما روي عن عبد الله قال: (جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات على أصبع، والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلائق على أصبع. فيقول: أنا الملك. فضحك النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر. ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وما قدروا الله حق قدره)(7).
وعن ابن عمر قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حق تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان، أو الشيطان، لا أدري أي ذلك)(
.
وأنا لا أدري كيف يمكننا التصديق بمثل هذه الخرافات؟
وهذه أخرى عن أبي ذر الغفاري قال: (قال النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر حين غربت الشمس: تدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، وتوشك أن - تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، وتوشك أن تسجد فلا يقبل منها. وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها. فذلك قوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)(9).
وعن عمر بن الخطاب قال: (أما علمت أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: إن الميت ليعذب ببكاء الحي)(10) بالرغم من أن الله تعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)(11)؟
وروي عن عبد الله قال: (ذكر عند النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقيل: ما زال نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة. فقال: بال الشيطان في أذنه)(12).
وعن جابر بن عبد الله رفعه قال: (خمروا الآنية واكثوا؟! الأسقية، وأجيفوا الأبواب، واكفتوا صبيانكم عند العشاء، فإن للجن انتشارا وخطفة، واطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت)(13).
ونكتفي بهذا القدر من الروايات والتي يوجد غيرها الكثير مما يضع علامة استفهام كبيرة أمام البخاري وصحيحه، وأول ما يترتب على إثباتنا خطأ المقولة الشائعة بصحة جميع ما أخرج في هذا الصحيح هو عدم صلاحية أي حديث فيه ليكون حجة لمجرد إعطاء الشيخ البخاري له صفة الصحة.
ولذلك فإنه يلزمنا إعادة النظر في العقائد التي أخذت بناء على بعض أحاديثه مثل إمكانية رؤية الله تعالى ووضع قدمه في جهنم، وعدم اكتمال عصمة النبي وعدم حفظه جميع القرآن، وفقأ موسى لعين ملك الموت وغيرها الكثير الكثير، مما أخذ مكان الاعتبار والتصديق بالرغم مما فيها من شبهات وخرافات تتخذ مطاعن على دين الإسلام، وهكذا بالنسبة لكتب الحديث الأخرى.
ونتيجة لذلك أيضا، فإنه يلزمنا مراجعة تاريخنا الإسلامي وإعادة النظر في كثير مما رواه البخاري وغيره من رجال الحديث حول مكانة الصحابي هذا أو ذاك، وخصوصا مع وجود تلك المنازعات التي حصلت بينهم والتي لا زالت آثارها واضحة لأيامنا هذه بوجود مذاهب مختلفة فرقت المسلمين وأضعفتهم.